الدولة الاتحادية كمسار وطني توافق لتحقيق الشراكة في السلطة والتوزيع العادل للثروة

الدكتور محمد جميل ناجي
استاذ القانون العام المشترك والعلاقات الدولية بجامعة عدن

January 28, 2019

المقدمة :

من أجل يمنِ المستقبل يُمكننا توضيح الرؤيا المتاحة من خلال البحث عن شراكة وطنية جديدة، تكون قيم الديمقراطية والمدنية والتعددية السياسية والشراكة في السلطة والتوزيع العادل للثروة أساسها.

يلعب فيه المثقفون دور الطليعة لأنهم حملة مشاعل التنوير والتطوير، وتُستثمر ليمن المستقبل وتحشد من أجله الهمم وتوظف من أجله الطاقات.

وهو علم يؤمّل له أن يكون مختلفاً عما سبقه من التجارب الماضية تتبلور فيه الهوية الوطنية والتعددية الثقافية والاقتصادية حتى ينتفض اليمن الاتحادي من عثراته الثقال لتجديد قيمه الجامعة الموحدة.

لذلك لابد من إنهاء الانقلاب ووقف الحرب والنزاعات والتفرغ لبناء الدولة الاتحادية التي يكون أساسها تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني .

إن هذه القيم سوف يكون لها الأسبقية من خلال دستور اتحادي توافقي " تم الاتفاق على مشروع مسودة الدستور سابقاً، تعزر فيه الحريات والقيم في نظامِ حكمٍ أمثل: يتماشى مع تاريخ الوطن اليمني وتركيبته الاجتماعية والاقتصادية ويرتكز على خصوصيةِ كلِ إقليم، من خلال جعل الانسان في اليمن الاتحادي محور التنمية المستدامة والاستثمار الرئيسي وتحقيق العدالة الاجتماعية على المستوى الوطني.

ومن خلال ما تقدّمَ وجد اليمنُ نفسَه كدولة شهدت صراعات وأزمات وحروب تتجة نحو حل هذه الصراعات والحروب من خلال تبنّي والأخذ بالنظام الفيدرالي، والشكل الذي اتفقت عليه المكوناتُ السياسية وكافةُ الفعاليات المجتمعية من الشباب والمرأة ومنظمات المجتمع المدني في مؤتمر الحوار الوطني (2013-2014م ).

وباعتبار أن النظام الفدرالي يشكل حلاً سياسياً للأزمة اليمنية وحلاً عادلاً توزع فيه السلطات والمسؤوليات والموارد المالية والثروة، وبالتالي الحفاظ على الدولة اليمنية من التفكك والمزيد من الصراعات والحروب الاهلية التي لم يعد يقبلها المجتمع اليمني بكل أطيافه وكذا المجتمع الدولي بكل توجهاته السياسية .

وعليه سوف أستعرض في هذه الورقة العلمية من خلال الآتي :

  • المحور الأول: الدولة الاتحادية التوافقية من خلال الدستور.
  • المحور الثاني: الشراكة في السلطة والتوزيع العادل للثروة من خلال مخرجات الحوار الوطني .
  • الخاتمة والتوصيات

المحور الاول: الدولة الاتحادية التوافقية من خلال الدستور (مسودة الدستور)

إن الدولة الاتحادية اليمنية خيارٌ توافق عليه كلُ المكونات التي شاركت في مؤتمر الحوار الوطني، وتم بالفعل صدور قرارٍ جمهوري بشأن إقامة دولة اتحادية حديثة يكون أساسها الدستور.

ورغم أن الانقلابيين أعاقوا استمرار الدولة الاتحادية من خلال انقلاب 21 سبتمبر 2014، ثم غزو الجنوب وإعلان الحرب في كافة نواحي الأراضي اليمنية، إلا أن رفض الشعب اليمني بكل مكوناته لهذا الانقلاب، وإعلان التحالف العربي في 25 مارس 2015 منع الانقلابيين من السيطرة على اليمن، وإطلاق أكبر عملية لدعم الشرعية اليمنية التي يمثلها الرئيس عبدربه منصور هادي.

إن الدستور اليمني الجديد الذي توافق عليه كل المكونات السياسية والشبابية والمرأة سوف يكون خطوة متقدمة لبناء اليمن الاتحادي الجديد من خلال نصوص قطعية تحترم فيها السيادة والحريات والخصوصيات ويتم فيها أيضاً وفقاً للنصوص القانونية إعادة الشراكة والتوزيع العادل للوظيفة العامة وكذا الثروة والصلاحيات والمسؤوليات.

ولعل من أهم الضمانات الدستورية التي جاءت بها مسودة الدستور للدولة اليمنية الاتحادية كالآتي:

  1. لعل من أهم الضمانات الدستورية في مسودة الدستور هو سيادة القانون بحيث يصبح القانون أساسا لنظام الحكم في الدولة، ولا يجوز تغيير النظام بأي وسيلةٍ أخرى مخالفةٍ لأحكام الدستور، وتلتزم الدولة بضمان نفاذ وسيادة القانون على الجميع دون استثناء.
  2. يقوم النظام السياسي وفقاً للقيم الديمقراطية القائمة على التعددية السياسية والحزبية.
  3. من أهم الضمانات الدستورية لإقامة دولة ديمقراطية ذات سيادةٍ التداولُ السلمي للسلطة من خلال ممارسة تكوين الأحزاب السياسية.
  4. يكفل الدستور حيادية سلطات الدولة في تعاملها مع كافة المواطنين بغض النظر عن الجنس أو اللون أو المذهب أو العقيدة.
  5. نص الدستور الجديد على أن جميع المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات ويحق لهم الترشح للوصول إلى السلطة دون تمييز على أساس العرق أو اللون أو المذهب أو السلالة والمنطقة.
  6. ولعل من أهم الضمانات التي تحمي المواطن الذي هو أساس التنمية حقُّه في الوظيفة العامة وحقوق المواطنه المتساوية وتجريم سياسة الإقصاء والإبعاد للمواقف السياسية أو الرؤى.

إن مسودة الدستور للدولة الاتحادية تعد وثيقة هامة ومتقدمة تلبي كافة التطلعات لإقامة دولة مدنية يتشارك فيها كل اليمنيين وفقاَ للفرص المتساوية والمتكافئة لخدمة اليمن الجديد دون تفرقه بسبب المنطقة أو المذهب أو اللون أو السلالة أوحتى المواقف السياسية.

المحور الثاني: الشراكة في السلطة والتوزيع العادل للثروة من خلال مخرجات مؤتمر الحوار الوطني .

الفيدرالية هي نظام سياسي وقانوني يقوم على بناء علاقات تكامل تحل محل علاقات التبعية بين الأقاليم والمحافظات داخل الدولة وبالتالي الاتفاق والمشاركة الفعلية لكل الوحدات والأقاليم التي تتكون منها الدولة الاتحادية، وهو نظام يعزز معاني الديمقراطية ومبادئ التنمية المستدامة.

ولعل من أهم الضمانات القانونية التي تحفظ للأقاليم الشراكة في السلطة والثروة والصلاحيات وفرض الضرائب وجبايتها وجمع الأموال وصرفها وتوزيع المسؤوليات في القطاعات المالية للدولة الآتي:

  1. تلتزم الدولة بحرية النشاط الاقتصادي بما يحقق العدالة الاجتماعية.
  2. تسعى الدولة لتحقيق التوازن الاقتصادي بما يحقق العدالة في توزيع الثروة والتوازن بين مصالح الفرد والمجتمع.
  3. تقوم السياسة الاقتصادية للدولة على أساس التخطيط الاقتصادي العلمي.
  4. تضمن الدولة حرية حركة البشر والبضائع والتجارة والاستثمار والأموال، كما تشجع الدولة الاستثمار الخاص.
  5. الثروات الطبيعية بجميع أنواعها ومصادر الطاقة الموجودة في باطن الارض أوفوقها أو في البحار، هي ملك عام للدولة وهي التي تكفل استغلالها للمصلحة العامة.
  6. توزع الدولة إيرادات الثروات الطبيعية بجميع أنواعها بشكل عادل ومنصف وينظم القانون ذلك التوزيع.
  7. ينظم القانون العملة الرسمية للدولة والنظام المصرفي ويحدد المقاييس والمكاييل والموازين.
  8. للأموال والممتلكات العامة حرمة وعلى الدولة وجميع أفراد المجتمع صيانتها وحمايتها، ويعاقب كل من ينتهك حرمتها وفقاَ للقانون.
  9. للملكية الخاصة حرمة لايجوز المساس بها إلا للمنفعة العامة وعند الضرورة، بتعويض عادل.
  10. مصادر الأموال محظورة ولايجوز مصادرة الأموال الخاصة إلا بحكم قضائي نهائي.
  11. إنشاء الضرائب العامة وتعديلها لا يكون إلا بقانون.
  12. إنشاء الرسوم وجبايتها وأوجه صرفها وتعديلها والإعفاء منها لا يكون إلا بقانون .
  13. النص في الدستور على عدم جواز الجمع بين السلطة والتجارة.
  14. النص في الدستور على تجديد الوظيفة العامة وتحريم احتكارها أو استغلالها.
  15. النص في الدستور على خضوع كل المواد والنفقات للمراقبة والفحص بما يحقق الشفافية والعلنية وتحديد أوجه الصرف والإنفاق.
  16. وضع قانون النفط العام وفقاً للمعايير الدولية بما يضمن حق الامتياز لأبناء المناطق النفطية.
  17. النص في القانون على تشكيل لجنة حكومية دولية لإعادة تقييم ومراجعة عقود الشركات الأجنبية المنتجة للنفط وكذا الشركات الاستكشافية .
  18. النص في القانون على تجريم كل عمليات تجنيب وإخفاء أي نوع من الإيرادات أو جانباً منها نقداً أو عيناً بعيداً عن إيرادات الموازنة العامة للدولة.
  19. إخضاع جميع الصناديق الخاصة الموجودة في الوزارات أو المرافق الحكومية للقانون وتنظيمها والرقابة عليها ويجرم كل صرف يتم من هذه الصناديق للمصلحة الخاصة او خارج القانون، وكل من يخالف ذلك يخضع للمساءلة والمحاسبة القانونية والقضائية دون استثناء.

الخاتمة والتوصيات:

إن التنوعَ والاختلاف الموجود في أية دولة في العالم هو أساس التطور والتقدم لشعوب العالم، لذلك خاض اليمن مراحل من الصراع الطويل لبناء الدولة الاتحادية من خلال تعزيز قيم الشراكة والتوافق من خلال صياغة مشروع وطني للنهضة تعزز فيها الحريات والدستور والقانون بما يتماشى مع تاريخ اليمن وتركيبتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وتحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية لكافة أقاليم اليمن الاتحادي.

إن الطريق الأمثل للخروج من حتمية الصراع بلا نهاية هو الحوار الوطني الذي يهيئ المناخ لبناء دولة حديثة اتحادية تقام فيها جسور الثقة بين كل الفعاليات السياسية والاجتماعية المكونة لهذا المجتمع.

وهذا بالفعل ماقام به فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي من خلال دعوة كافة مكونات المجتمع اليمني للدخول في حوار وطني شامل تناقش فيها كل القضايا دون تأخير أو تسويف، حيث شكل الحوار الوطني من قبل 565 مندوبا سابقة لتجنيب منطق القوة والسلاح من خلال الحوار الوطني الذي يعد ويحسب لفخامة الرئيس عبدربه منصور هادي وحسن إدارتة للدولة في العهد الجديد بعد انتخابة في 2012م.

ورغم أن الانقلاب أعاق بناء الدولة الاتحادية وتنفيذ الاستفتاء على الدستور وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني إلا أن اليمن ظل قويا تحت راية الشرعية ومساعدة الأشقاء في التحالف العربي لتحرير كافة أراضي اليمن الاتحادي من الانقلابيين.

من خلال إيمان الشرعية بأحقية إنهاء الانقلاب وتسليم السطة والسلاح والدخول في السلام الشامل وحقن دماء اليمنيين والتفرغ لبناء الدولة القائمة على العدالة والدستور واللامركزية والحكم الاتحادي والديمقراطية والفصل بين السلطات وسيادة القانون والتعاقب السلمي للسلطة وفقاً لانتخابات شفافة حرة ونزيهة وكفالة الحريات العامة واقتصاد السوق الحر المستوفي للعدالة الاجتماعية وإقامة العدالة الانتقالية واحترام حقوق الانسان والمواثيق والمعاهدات الدولية التي وقّع عليها اليمن.

التوصيات:

  1. إنهاء الانقلاب بكل صوره وأشكاله وإعادة الشرعية لتحل محل الانقلاب المليشاوي.
  2. إطلاق سراح كافة المعتقلين والمخطوفين عند مليشيا الحوثي.
  3. البدء في عمليات الإغاثة الإنسانية للشعب اليمني غير المشروطة داخل المناطق التي يسيطر عليها الانقلابيون.
  4. نبذ العنف من قبل كافة الأحزاب السياسية ورفض التهديد به على المستوى الداخلي أو ضد جيران اليمن.
  5. المشاركة الفعلية في السلطة والثروة من قبل كافة مكونات الدولة اليمنية الاتحادية.
  6. البدء في تنفيذ برنامج إعادة الإعمار وجبر الضرر والتعويض العادل لكافة المواطنين الذين تضرروا من الحرب.
  7. إعادة النازحين إلى مواطنهم الأصلية من خلال برامج يتم التنسيق فيها مع المنظمات الانسانية الدولية والمحلية.
  8. رفع الوعي بأهمية الهوية الوطنية اليمنية مع الحفاظ على التنوع بين الأقاليم الاتحادية للدولة اليمنية.
  9. توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية والعمل على حيادتها عن الشأن السياسي للدولة الاتحادية.
  10. البدء في إعلان الأقاليم وفقا للقرار الجمهوري الذي صدر بتقسيم الدولة الى ستة أقاليم وتوزيع المسؤوليات والصلاحيات وفقاً وتنفيذاً لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني.
  11. البدء بتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني فيما يخص الأقاليم وتوزيع المسؤوليات والصلاحيات وإعادة توزيع السلطة والثروة والمال وكفالة جباية الضرائب وصرفها وفقاً للقانون.
  12. البدء بإعلان برامج خاصة للتعريف بأهمية مخرجات مؤتمر الحوار الوطني من خلال الندوات والورش والتركيز عليها من خلال الإعلام الرسمي وكذا الإعلام الخاص.

وثيقة
مخرجات الحوار الوطني

تحميل الوثيقة ←

مسودة
دستور اليمن الجديد

تحميل مسودة الدستور ←