مقدمة:
لا نستطيع تجاهل فرضية»هنتجتون، «1988 بأننا على وشك عصر جديد مظلم من الكراهية القبلية، فيما أسماه صراعات وحروب وخطوط التقسيم الحضاري )الجزار، ص10(
تُعد مشكلة أزمة الهوية من ضمن المشاكل الكبرى التي يعاني منها المجتمع اليوم، لأن الهوية اليمنية والمشروع الوطني الذي يسعى للحفاظ على هذه الهوية يتعرضان لهزات عنيفة مما يعرض السلم الأهلي والنسيج المجتمعي لمخاطر جسيمة قد لا يتعافى منها المجتمع اليمني لعقود قادمة. من أبرز المشكلات التي يواجهها اليمن اليوم أزمة الهوية. لقد فشلت الحكومات اليمنية المتعاقبة في غرس مفهوم الولاء الوطني، ولم تنتبه تلك الحكومات لخطورة تشكيل هويّات على أسس مناطقية، وقبلية، وطائفية، وجهوية، وكان من نتائج تلك السياسات الخاطئة هو ترك القوى التقليدية بشقيها الديني والمناطقي في فرض هويّات جديدة على حساب الهوية الوطنية الجامعة. يؤكد الباحث عبد الله السالمي »أنه على امتداد عمر اليمن الجمهوري باستثناء مدة وجيزة تلت إعلان الوحدة السياسية بين شطري الوطن، كما يرى البعض، وفيه نظر لم يُقدّر للهوية الناظمة للمُتعدد الثقافي والسياسي والاجتماعي بلوغ مربع الوطنية الكلية الجامعة والثبات عليه« .
كما يؤكد الباحث(دشيلة) أنه: بعد انقلاب قوى التمرد الحوثية على الدولة اليمنية غداة 21 أيلول/ سبتمبر 2014 فقد فرضت تلك المليشيات واقعًا مختلفًا ونشرت ثقافتها الأيديولوجية الدخيلة على المجتمع اليمني بالقوة خصوصاً في المناطق التي تسيطر عليها. كما أّنها ما تزال تفتح العديد من المراكز السرية لجلب أكبر قدر من أبناء القبائل وتعبئتهم بأفكارها المذهبية والتي لا تمت إلى الدين الإسلامي الحنيف بصلة. كان من نتائج ذلك الانقلاب الدموي هو ظهور الهويّات المتعددة أكثر من أي وقت مضى داخل الجغرافيا اليمنية، وإن كانت الخلافات كانت موجودة داخل المجتمع اليمني، إلا أن الانقلاب الحوثي ساعد بعض القوى التقليدية وجماعات العنف المناطقية والدينية الأخرى أن تنشئ كيانات وهويّات مختلفة وبعيدة كل البعد عن الهوية اليمينة الجامعة بطريقة مخيفة(دشيلة, 2019, ص2).
أيضًّا، عندما غابت الهوية الوطنية ظهر لنا هويّات جديدة على أسس جغرافية مثل الهوية التهامية، الهوية الحضرمية، الهوية المهرية، وهويّات أخرى ليس المجال لذكرها هنا. علاوة على ذلك، أصبح أبناء المناطق القبلية يعتزون بهويتهم القبلية ويتفاخرون بها، بينما التحق بعض الشباب بالمليشيات الطائفية المتمردة, ورفع شعار, وأيديولوجيا هذه العصابات المتمردة عله يسلم من بطشها, وتنكيلها، وكل هذا على حساب الهوية اليمنية. وهكذا، أصبح اليوم في المجتمع اليمني عدة جماعات وهذه الجماعات تحمل هويّات مختلفة. على سبيل المثال لا الحصر، يوجد في جنوب اليمن عصابات ترفع علم غير علم الجمهورية اليمنية، والحوثي يرفع شعار الموت لأمريكا، والقاعدة ترفع شعار الله أكبر...إلخ. لم يتبقَ إلا تيار المشروع الوطني الذي يحمل شعار الجمهورية اليمنية ويحاول الحفاظ على الهوية اليمنية بغض النظر عن أخطاء هذا التيار.
وعن علاقة الهوية الوطنية بالسياسة الخارجية فإن هناك من يرى أن المشاركة في صياغة السياسة الخارجية في القرن القادم بشكل فعال تتطلب أن نطور فهمنا للعوامل والقضايا التي تساهم في تشكيل العلاقات الدولية في هذا العالم المتغير بسرعة لا حدود لها، والمواضيع المرتبطة بالنظام العالمي يمكن تلخيص بعضها فيما يلي: مفهوم الأمة والسيادة والتحالفات وتوازن القوى, ومعنى الدبلوماسية والقانون الدولي واستخدام القوة والردع. كما يجب علينا فهم ردود الفعل إزاء الأزمات العالمية والتهديدات المتزايدة للإتجار بالمخدرات والإرهاب والتخريب الذي يحيق بالبيئة.
أ. مفهوم الهوية الوطنية :
1) معنى وتعريف الهوية:
الهوية هي مصطلح يستخدم لوصف مفهوم الشخص, وتعبيره عن فرديته وعلاقته مع الجماعات كالهوية الوطنية أو الهوية الثقافية...إلخ ، كما تُعرف الهوية بأنها: « مجمل السمات التي تميز شيئاً عن غيره أو شخصاً عن غيره أو مجموعة عن غيرها »(أطروحة دكتوراه في العلوم السياسية بجامعة بغداد عن الهوية الوطنية العراقية بعد عام 2003 ) .
ومفهوم الهوية «لفظ تراثي قديم، موجود في كتب المصطلحات مثل «التعريفات » للجرجاني. ومعناه أن يكون الشيء هو ذاته، وليس له مقابل مما يدل على ثبات الهوية »( حنفي).
يعرف أدوارد سعيد الهوية من خلال السؤال التالي: «من نحن؟ من أين جئنا؟ ما نحن؟ («الهوية المضطربة لإدوارد سعيد في خارج المكان »).
كما تعرف الهوية في علم الاجتماع، «على أنها ظاهرة اجتماعية تحدد ماهية المجتمع وتركيبته البشرية بمكوّناتها المتداخلة والمتشابكة بطرقٍ معقدة بما فيها المكونات الاجتماعية البحتة والدينية واللغوية والسياسية والثقافية والاقتصادية والتربوية وغيرها. وهوية الفرد جزءٌ من هوية المجتمع التي قد تكون ثابتة أو متغيرة ومتحولة أيضًا ».
بينما تستعمل الأبحاث النفسية مفهوم الذات (Self Concept) للتعبير عن الهوية، كما أوضح الجابري أنه لا هوية بدون وجود، أما تاب Tap فيعتبر الهوية « نظاما من تصورات الذات ونظام مشاعر إزاء الذات ». (كركوش، ص 270 ).
بناءً على ما سبق، يتضح بأن هناك عدة تعريفات للهوية، فتعريف الهوية في العلوم الفلسفية يختلف عن تعريف الهوية في العلوم الاجتماعية والسياسية وعلم النفس، كما أن المعاجم اللغوية لم تقدم تعريف شامل للهوية فكل حقل معرفي يعرف الهويّة من المنظور الذي يراه مناسبًا، وقد بين أوريل أن «كل محاولة لإعطاء تعريف شامل ووافي ونهائي يرضي النفسانيين والاجتماعيين والانتروبولوجين ستظل بدون جدوى » (كركوش، ، ص 271 ). ولذلك، لن نخوض في تفاصيل الاختلافات بين الفلاسفة وعلماء النفس حول تعاريفهم لمفهوم الهوية وسنكتفي بالتعريف التالي: الهوية «هي الخصوصية والذاتية وهي ثقافة الفرد ولغته وعقيدته وحضارته وتاريخه » (تعريف ومعنى الهوية) .
2)مفهوم الهوية الوطنية:
إن مفهوم الهوية الوطنية جديد نسبيا في حقل الدراسات السياسية والاجتماعية، تناوله أندرسون بندكت في حديثه عن الهوية المتخيلة في كتابه "الجماعات المتخيلة.. تأملات في اصل القومية وانتشارها" (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ترجمة ثائر ديب، تقديم عزمي بشارة، 2014)، فالهويات المتخيلة، بحسبه، يتشكل بها مفهوم الوطن وتقوم على أساسه الدول. ومن هنا، قام مفهوم الدولة الوطنية على أساس هوية وطنية واحدة متخيلة، أساسها وعمودها هو المواطنة المتساوية، أن يكون جميع مواطني هذه الدولة متساوين في الحقوق والواجبات، فالجميع سواسية أمام القانون والدستور، ولا امتياز لأحد دون آخر، باعتبار دينه أو عرقه أو قبيلته أو طائفته أو مذهبه أو لونه.
ومن ثم، الدولة الوطنية الحديثة، هي باختصار دولة المواطنة المتساوية، القائمة على العقد الاجتماعي المتمثل بالدستور والقانون الذي يصيغه المجتمع بعلاقاته وتوافقاته، ونقاشاته وحواراته، أي قانون بمرجعية الدستور الذي تصيغه السياسة وليس البندقية والحرب أو الإكراه.
ويقصد بالهوية الوطنية الواحدة اليوم، بحسب الباحث إبراهيم الديب، ذلك الوعاء الوطني الكبير الذي يعترف بكل طوائف ومكونات المجتمع، ويوثقها ويستوعبها، ويخلق منها وبها كيانا كبيرا يمثل الجميع، ولا يقصي أو يلغي أحدا، بل يقوّيه داخل الإطار الوطني العام الذي يقوّي كل مكوناته.
دولة المواطنة المتساوية هي بالضرورة دولة العدل والقانون والحرية والكرامة، على عكس دولة الرعايا ليست الهوية الوطنية اليوم وصفة جاهزة ومعدة مسبقا، فهي مما يمكن صناعته وتشكيله وتعزيزه ورعايته، بحسب رؤية وطنية ثقافية اجتماعية دينية تعليمية وتربوية متكاملة، ككل الأمم والشعوب التي بدأت تتلمس طريقها نحو مفهوم الدولة الأمة، أو دولة العقد الاجتماعي، وهي المجتمعات التي عانت كثيرا من أزماتها الداخلية من حروب وصراعات واقتتال وتفكك وتشظٍّ هوياتي واجتماعي كبير.
الهوية الوطنية إحدى ثمار نشوء وتشكل فكرة الدولة الوطنية الحديثة، دولة ما بعد الاستعمار عربيا، ودولة ما بعد الإمبراطورية غربيا، وقد تشكلت في دول كثيرة نتاج صراعات بينية داخلية طاحنة، مذهبية أو قبلية أو مناطقية أو حتى طبقية، فالصراع الذي دار في معظم دول أوروبا بين عامي 1550 و1750 كان مرتكزا على مسألة الصراع بين الدين (الكنيسة ورجالها) والدولة ومن ثم المجتمع. وحينا آخر، بين المذاهب الدينية كاثوليك وبروتستانت وهو الصراع الذي أدى بعد ذلك إلى بروز الفكرة العلمانية وظهورها في المجتمعات الأوروبية.
3) مفهوم الهوية اليمنية:
إن اليمن، على مدى مئة عام، كان مجتمعات ممزقة ومتشظية مقسمة بين استبدادين، إمامي طائفي عنصري داخلي واستعماري أجنبي على عكس الصراع الذي دار داخل المجتمع الأميركي، قبيل الثورة الأميركية، عام 1775، وهو صراع بريطانيا مع مواطني مستعمراتها الذين جلبتهم إلى هذه المستعمرات، عبيدا وخدما وجندا وعمالا وفلاحين، لا يمتلكون من أمرهم شيئا، حتى بدأت تختمر لديهم فكرة الاستقلال والثورة ضد الظلم الذي عانوا منه، وهي البداية التي شكلت محطة إلهام للأمريكان للذهاب نحو فكرة الدولة الواحدة ذات الهوية الوطنية الواحدة التي يتساوى الجميع، في ظل سيادتها وقانونها. ولهذا تعتبر التجربة الأميركية أوضح مثال على مسألة صناعة الهوية الوطنية للدولة، لإذابة كل التباينات العرقية والمذهبية والطبقية في المجتمع الأميركي، وإيجاد هوية وطنية واحدة، يستظل تحت رايتها الجميع، من دون تمييز فئة عن أخرى.
ويعد مفهوم الهُوية إشكالية كبيرة مثله مثل معظم مفاهيم العلوم الاجتماعية والإنسانية يحتمل أكثر من معنى وتفسير، مذهبية ومناطقية وعشائرية وقبلية تستند إلى مرجعية الأرض، الأمر الذي جعل اليمن يعيش حالة أزمات وحروب تتعلق بذلك الإشكال، وما الحرب الدائرة في اليمن اليوم ومسرح عملياتها إلّا دليلا على تلك الأزمة البنيوية في المجتمع (الربيعي) .
يؤكد جنكيز بأنه «لن يكون هناك مجتمع بدون هوية » (محسن). إذن، لا هوية بدون مجتمع
يمني ولا مجتمع بدون هوية يمنية, والهوية اليمنية ليست منحصرة في سلالة معينة أو منطقة جغرافية محددة بل هي تعبير عن الذات اليمنية بشكل عام وهذا ما يجب أن يكون، وبدون الهوية
الوطنية فلن يكون هناك أمن وتماسك في المجتمع، بل سيزداد ظهور العديد من الهويّات المختلفة والمتناحرة وكل طائفة ستبحث عن هوية خاصة بها، فيتشظى الوطن ويستمر الاقتتال.
4) أزمة الهوية اليمنية:
بالنسبة لأزمة الهوية اليمنية، فيمكن القول أنها بدأت مع تدخلات واطماع إيران بالسيطرة على اليمن, بأي شكل من الأشكال, فقد بدأ التواصل بين إيران واليمن منذ فترة موغلة في القِدم، إذ كان اليمن منذ عهد الدولة الحِمْيَرِيَّة موضع تنافس بين دولة الفرس الساسانيين ودولة الروم. وقد حدثت البدايات الأولى للاتصال بين اليمن وبلاد فارس من خلال استنجاد الملك اليمني سيف بن ذي يزن بالفرس لطرد الغزاة الأحباش (حلفاء دولة الروم آنذاك) من اليمن في عام 575 م. ومنذ هذا التاريخ دخلت بعض المناطق اليمنية، ولا سيّما صنعاء والمناطق المجاورة لها، تحت السيطرة الفارسية حتى ظهور الإسلام ودخول اليمن تحت حكمه.
وخلال العصر الحديث، اتسم التواصل بين إيران واليمن بالمحدودية، وذلك حتى قيام الثورة اليمنية ضد نظام الحكم الملكي أو الإمامي (الزيدي) في عام 1962 م، إذ بدأ الاهتمام الإيراني يتوجه نحو اليمن، ولكن على نحو ضعيف أو هامشيّ. وفي هذا الإطار قدم شاه إيران بعض الدعم المالي المحدود للقوّات الموالية للنظام الملكي في حربها مع القوّات الجمهورية. وبعد انتهاء الحرب بتغلب الجمهوريين كان من الطبيعي أن تتسم العَلاقات بين الجمهورية العربية اليمنية (اليمن الشمالي سابقًا) وإيران الملكية، بالفتور، مع بقاء التفاعلات والروابط السياسية بين البلدين في حدها الأدنى.
كذلك لم يكن لإيران في عهد الشاه أي دور في جنوب اليمن (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سابقًا)، إذ لم يرتبط الطرفان بعَلاقات إيجابية بسبب التباين الكبير في توجهاتهما السياسية آنذاك، حيث كانت إيران تتبع المعسكر الغربي الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، بينما كان جنوب اليمن يدور في فلك المعسكر الشرقي الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي سابقًا، عن اختلاف موقف البلدين من أحداث ظفار في سلطنة عُمان إبان الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، حيث كان النظام السياسي الاشتراكي الحاكم في جنوب اليمن يدعم عناصر الجبهة الشعبية لتحرير ظفار في صراعها المسلح مع الحكومة العُمانية، بينما كان النظام الإيراني الملكي يدعم القوّات الحكومية.
وعقب قيام الثورة في إيران في عام 1979 م، تزايد الاهتمام الإيراني باليمن بشكل لافت، إذ عملت إيران، على المستوى الشعبي، على استقطاب بعض الطلاب اليمنيين للدراسة في الجامعات والحوزات والحسينيات الإيرانية في طهران ودمشق وبيروت خلال فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي. وذلك في إطار سعيها إلى تصدير نموذجها الثوري إلى دول الجوار، عبر استقطاب النخب والقطاعات الشيعية في تلك الدول. وفي الوقت نفسه لم يكن لإيران عَلاقات إيجابية مع اليمن على المستوى الرسمي، نظرًا للعَلاقات الوثيقة بين النظام الحاكم في شمال اليمن آنذاك ونظام صدام حسين في العراق، وهي العَلاقات التي وصلت إلى مستوى التحالف الاستراتيجي والتنسيق والشراكة في أثناء الحرب العراقية-الإيرانية (1980 - 1988 م)، التي شاركت فيها القوّات اليمنية إلى جانب الجيش العراقي.
وفي الفترة من عام 2004 وحتى 2010 م، تصاعد دور إيران في اليمن بشكل ملحوظ، من خلال دعمها للحوثيين في صراعهم المسلح مع الحكومة اليمنية، لكن التطوّر الأبرز في مسار الدور الإيراني في اليمن هو ما حدث مع اندلاع الثورة0
ضد نظام علي عبد الله صالح في عام 2011م، إذ تعاظم النفوذ الإيراني على الساحة اليمنيةمنذ ذلك الحين، وذلك في ظل حالة الفوضى وعدم الاستقرار، نتيجةً لتعثر عملية الانتقال السياسي، وتفاقم الانقسامات الداخلية، وضعف فعالية الحكومة اليمنية، وإخفاقها في التعامل مع المشكلات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية. وفي هذا الإطار وثقت إيران تحالفها مع الحوثيين
استنادًا إلى الاعتبارات المذهبية والآيديولوجية، وكثفت دعمها لهم سياسيًّا وإعلاميًّا وماليًّا وعسكريًّا. كذلك أقامت إيران عَلاقات مع عدد من الشخصيات السياسية في جنوب اليمن، كرئيس الشطر الجنوبي سابقًا علي سالم البيض، كما عملت على دعم بعض أجنحة الحراك الجنوبي بالمال والإعلام والسلاح والتدريب، سواء في إيران أو لبنان، وغيرها من مناطق النفوذ الإيراني كالعراق وسوريا. وذلك قبل أن تبتعد أجنحة الحراك الجنوبي عن إيران بالتزامن مع بروز الحوثيين كقوة مهيمنة مدعومة إيرانيًّا، واستيلائهم على السلطة بالقوة المسلحة في شمال اليمن، ومحاولتهم مدّ سيطرتهم إلى المناطق الجنوبية.
وفي مطلع عام 2015 م، وعقب أشهر قليلة من استيلاء الحوثيين وحليفهم الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح على مقاليد السلطة في العاصمة صنعاء.
ثانياً: السياسة الخارجية:
1) مفهوم السياسة الخارجية:
اختلف الكتاب والباحثون حول تعريف السياسة الخارجية, ويعود هذا الاختلاف إلى انتماءاتهم ومدارسهم ووجهات النظر التي يعتمدون عليها، مما يعني أنه حتى الآن لم يتم تقديم تعريف محدد للسياسة الخارجية متفق عليه، ومن أهم تعاريف السياسة الخارجية ما يلي:
يعرف فلدمير سوجاك(V.Sojack) فيعتبر أن السياسة الخارجية هي "أساس نشاط الدولة الموجه نحو تأمين مصالحها للدول في الخارج من خلال العلاقة مع الدول الأخرى، أو عناصر الجماعة الدولية الأخرى".
أما فريدريك شاريون(F. Charillon) السياسة الخارجية: بأنها" الأداة التي تحاول الدولة من خلالها تشكيل محيطها السياسي الدولي، وهي غالبا ما تعتبر حارس مصالح الدولة على المدى البعيد، ويمكن اعتبارها كسياسة عامة، بمعنى أنها سياسة تنفذ من قبل مصالح - مؤسسات- الدولة بإمكانيات محددة بغية تحقيق أهداف محددة بدقة، لكنها تتعلق بسياسة عامة من نوع خاص، لأنها تتجاوز الحدود الوطنية، وتتضمن غالباً ردود أفعال ومحاولات للتكيف مع الأحداث الخارجية، مسارها القراري غالباً غير واضح مقارنة مع بقية السياسات العامة، و تعتبر مجالا محجوزا للمسؤولين السامين في الدولة"
يقصر هذا التعريف السياسة الخارجية على الدول، في حين أن هناك من يقر بوجود وحدات من
غير الدول قادرة على صياغة سياسة خارجية.
في حين يعرفها دانيال باب (D.Papp) بأنها: "الأهداف الموجهة لمنتظم من الأفعال التي تقوم بها الدولة من اجل إنجاز أهداف سياستها الخارجية.
يحصر هذا التعريف السياسة الخارجية في أهداف فقط، في حين أن التعريف الذي قدمه سوجاك
يشير إلى مجموع أنشطة الدولة، والتي قد تدخل فيها نشاطات أخرى غير السياسة الخارجية.
يرى تشارلز هيرمان (Ch.Hermann) أن السياسة الخارجية تتألف من تلك السلوكيات الرسمية المتميزة التي يتبعها صانعوا القرار الرسميون في الحكومة أو من يمثلونهم، والتي يقصدون بها التأثير في سلوكيات الوحدات الدولية الخارجية.
يهمل هذا التعريف الأهداف, والتي تعتبر عنصر محدد في السياسة الخارجية، وتحصر المقاصد في التأثير على بقية الوحدات، لكن هل التأثير يعد هدفا في حد ذاته؟ بالطبع لا فالتأثير هو وسيلة لتحقيق الأهداف.
2) خصائص السياسة الخارجية:
تتصف السياسة الخارجية بسبعة خصائص تتمثل في كونها، ذات طابع واحدي، بمعنى أن السياسة الخارجية تنصرف إلى وحدة دولية واحدة، وذات طابع رسمي، حيث أنها تصدر عن الممثلين الرسميين للوحدة الدولية، كما أنها سياسة علنية، إلى جانب تميزها بعنصر الاختيار، كما أنها عملية واعية تنطوي على تحقيق أهداف معينة، وهي موجهة إلى محيط خارجي، و هذا ما يميزها عن السياسة الداخلية، كما أنها ذات طابع برنامجي، و يرى السيد سليم أنه بدون توفر هذه الأبعاد السبعة فلا يمكن إطلاق صفة السياسة الخارجية على الظاهرة محل البحث.