تبدو الذكرى الثامنة لإعلان وثيقة الحوار الوطني ومشروع اليمن الاتحادي 25 يناير مختلفة إلى حدٍ كبيرٍ، فالانتصارات المتتالية لأبطال الجيش والمقاومة وقوات العمالقة في مأرب والبيضاء بعد دحر فلول المليشيات من شبوة، تعزز الانطلاق نحو استكمال تحرير الوطن وبناء اليمن الجديد.
لم تكن الحرب خياراً من خيارات الشعب الذي تاق إلى الحرية والكرامة والبناء والتنمية والأمن والاستقرار، لكنها فُرضت عليه، وكان الاتجاه الذي أجبر عليه شعبنا هو المقاومة والدفاع عن الجمهورية، واستعادة الدولة.
في الـ 25 من يناير 2014م، كانت اليمن بأكملها في شمالها وجنوبها وشرقها وغربها تشهد أعظم منجز في تاريخها الحديث، إنجازهم الوطني الذي رسم معالم الطريق نحو يمن جديد، ترتقي فيه اليمن أرضاً وإنساناً لتكون في الرفعة والمكانة العالية حيث يجب أن تكون فيه محلياً وإقليمياً ودولياً.
حيث أعلن اليمنيون في ذلك اليوم وثيقة الحوار الوطني، مشروع اليمن الاتحادي بعد جهود مضنية من النقاشات المستفيضة، التي استمرت نحو عام كامل تناقش كل قضايا الوطن، ماضيه وحاضره ومستقبله.
اجتمع كل الفرقاء على مائدة حوار واحدة، نظر جميعهم إلى اليمن الكبير الممتد بعراقته وأصالته وتاريخه ومجده عبر التاريخ، فكان ثمرة ما أنتجوه بحجم هذا الوطن وبحجم التطلعات وبحجم التضحية التي اجترحها كل رواد الحركة الوطنية على امتداد مسيرتها النضالية.
كان الهدف الأسمى هو تحقيق التحول الحقيقي والتغيير الجذري نحو مستقبل أفضل، بعد أن أرسى مؤتمر الحوار الوطني حقيقة ظلت غائبة في إدارة الحكم، تؤكد بأن النهوض بالوطن وتحقيق أمنه واستقراره وازدهاره يتوقف على قاعدة المشاركة السياسية والمجتمعية التي تقبل بالآخر، وتستهجن الانفراد بالسلطة من قبل قوة سياسية، أو أسرة أو قبيلة أو فرد.
لذلك كانت مخرجات الحوار الوطني مشروعاً وطنياً للانتقال إلى الدولة المدنية الحديثة، دولة النظام والقانون والمحاسبة والمساءلة والنزاهة والشفافية والعدالة والمساواة، دولة النهضة والتنمية على مستوى الدولة والفرد وعلى مستوى المجتمع، دولة الشراكة وتكافؤ الفرص، دولة الأمن والاستقرار والتنمية والبناء.
ما يزيد عن 1800 مبدأ دستوري وقانوني وتوصيات، هي حصيلة ما تم التوافق عليه في مؤتمر الحوار الوطني في تسع قضايا رئيسية، كفيلة بأن تكون الأساس المتين لبناء يمن جديد، تتم فيه معالجة الماضي بتراكماته وإشكالياته وتعقيدات صراعه وأحقاده، وتجمع الحاضر ليكون الجميع أمام مسؤولياتهم التاريخية والوطنية للإسهام الفعلي في بناء اليمن الاتحادي الجديد، وتؤسس لدولة اتحادية عادلة ومستقرة قائمة على مبادئ الحكم الرشيد، يسودها العدالة الاجتماعية وتحقيق الفرص المتساوية والحياة الكريمة لكل أبناء الوطن، وتحرير طاقاته البشرية الهائلة والاستفادة منها للمضي قدماً نحو الغاية الأسمى لبناء الأرض والإنسان، وتحقيق التكامل والاستقرار الاقتصادي
ولعل هذه المناسبة فرصة كبيرة لإعادة التوعية والتذكير بمشروع الشعب اليمني مشروع اليمن الجديد، المتمثل بوثيقة الحوار الوطني، والتي بُذلت جهود كبيرة لتنفيذها على أرض الواقع، وتم تنفيذ بعضها على الرغم من كل التحديات والتعقيدات التي تم مواجهتها، واستكملت لجنة صياغة الدستور مسودة الدستور بوتيرة عالية، حيث أصدر رئيس الجمهورية القرار رقم (27) لسنة 2014م بتشكيل لجنة صياغة الدستور في 8/3/2014م، وعملت اللجنة على إعداد المسودة الأولى التي تم تسليمها لرئيس الجمهورية بتاريخ 7/1/2015، كما تم تسليمها للهيئة الوطنية للرقابة على تنفيذ مخرجات الحوار الوطني بتاريخ 17/1/2015م.
وقد فشل الانقلاب في إعاقة تسليم مسودة الدستور إلى الهيئة الوطنية للرقابة على تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، محاولاً منع البدء بإجراءات مناقشة المسودة وإقرارها وصولاً لمرحلة الاستفتاء.
وشكل الانقلاب العائق الكبير أمام تنفيذ هذه المخرجات، بعد سيطرته على الدولة بقوة السلاح ونهب كل مقدراتها وتسخيرها لخدمة مشروعه الرجعي الكهنوتي البائد.
وقد كانت وقفة الشعب بكل فئاته ومكوناته حائطاً وسداً منيعاً، أمام أطماع الانقلاب، فكانت مقاومته التي ما تزال حتى اليوم خير شاهد على يقظة الشعب في الدفاع عن مشروعه وحماية وطنه، لاستعادة الدولة واستئناف عملية التغيير وبناء اليمن الجديد، وفقاً للأسس التي توافق عليها اليمنيون في وثيقة الحوار الوطني الشامل.
إن الانتصار على الانقلاب وتحقيق الاستقرار وتنفيذ مشروع شعبنا الوطني الجامع، لن يتحقق إلا بتحرير الوطن، وإنهاء الانقلاب وما ترتب عليه، والعودة لإنجاز الانتقال السياسي وبناء اليمن الاتحادي الجديد الذي يلبي تطلعات شعبنا اليمني ويواكب العصر في تقديم اليمن نموذجاً رائداً لبناء الأرض والإنسان.