مثّل إعلان وثيقة اليمن الاتحادي ولادة حلم اليمنيين في دولة مدنية حديثة قائمة على أسس المواطنة والمساواة واحترام حقوق الإنسان والحكم الرشيد، كان اليمنيون بموجبها على أعتاب مرحلة التحول الديمقراطي المنشود، الذي يستجيب لمطالب الثورة السلمية ويطوي صفحة الصراع المزمن على السلطة والثروة.
وفي الوقت الذي كانت جماهير الشعب اليمني وقواه السياسية تتهيأ لعبور المرحلة الانتقالية والاستفتاء على الدستور والتحضير للانتخابات، عادت مشاريع الدمار والخراب لتنسف كل جهود لملمة جراحات الماضي، وتقحم البلد برمته في أتون الحرب والمأساة، فما الذي حدث؟!
لقد عادت عقارب الساعة إلى الوراء ثمانين عاما، الإمامة شمالا ومشاريع الفوضى والتقسيم والجهوية جنوبا، والآن ما لم يستأنف مسار التحول الديمقراطي فإن تكلفة الفوضى والاحتراب ستضاعف المأساة ويتعذر معها استنقاذ اليمن من متاهات الضياع على المدى المنظور.
مصفوفة المواد التي تضمنها الباب الثاني من مسودة الدستور والتي خصصت للحقوق والحريات، لم تكن بدعاً من الأمر بل جاءت استلهامًا لمبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان والمواثيق والمعاهدات التي يعد اليمن طرفًا فيها، ومثّلت في حال العمل بجهد حثيث لتطبيقها في الواقع خلاصاً من عهود الاستبداد ونزعات التسلط والإقصاء بنفس القدر الذي أعلت فيه من قيم العدالة واحترام كرامة الإنسان اليمني وحقه في الحياة الكريمة والحرية والعيش الآمن.
لطالما كانت الحقوق والحريات الضمان الحقيقي للأمن والاستقرار وبناء الدولة وإنهاء الفراغات التي شغلتها مشاريع التقسيم والتمزيق والفئوية والجهوية، وكل الأحداث التي شهدها اليمن خلال سنوات الحرب أثبتت أن الحقوق والحريات حجر الزاوية في مسيرة الانطلاق نحو بناء الدولة وتحقيق الأمن والاستقرار.
حق الدولة في احتكار أدوات القوة، خطوة أولى في بناء الدولة، وحق اليمنيين في وجود مؤسسات دولة معنية بإنفاذ القانون كفيل بإعادة الاعتبار لضحايا الانتهاكات، وهذه إحدى أهم الاستخلاصات التي تضمنتها وثيقة مخرجات الحوار الوطني في باب الحقوق والحريات.
لليمن خصوصيته الثقافية والجيوسياسة، القائمة على التعددية واحترام حق الاختلاف دون استقواء بالعنف، وهذا الأمر بوابة لفهم الحالة اليمنية والتعاطي معها على الصعيدين الإقليمي والدولي على نحو إيجابي يضع حدا لمأساة البلد وصولا إلى حماية مصالح اليمنيين والمحيط الإقليمي والدولي.