في الخامس والعشرين من يناير تطل علينا ذكرى اعلان وثيقة الحوار الوطني الشامل الذي شارك فيه معظم أبناء اليمن بمكوناته المختلفة وفق المبادرة الخليجية وأليتها التنفيذية المزمنة، والانتقال السلمي للسلطة، وبناء الدولة الاتحادية لليمن الجديد الذي يتطلع إليه كل أبناء اليمن في الداخل والخارج
صيغت هذه الوثيقة بعد عشرة أشهر من الحوار والنقاش ودراسة التجارب المختلفة حول العالم لدول خاضت صراعات مختلفة كالتي خضناها ونخوضها في اليمن، ثم وصلت هذه الدول إلى مرحلة من الاستقرار والتنمية والنهضة بنظام اتحادي متعدد الأقاليم يسوده التنافس الشريف والشراكة والعدالة وأصبحت في مصاف الدول الأولى في العالم
يتطلع أبناء اليمن للوصل إلى هذا المستوى ايضا بما لدينا من مقومات وموارد وحضارة وتاريخ حافل بالنجاحات والازدهار ومانحتاجه اليوم هو بناء دولة اتحادية من ستة اقاليم وفق مخرجات الحوار الوطني الشامل على أسس العدالة والشراكة والحكم الرشيد والمواطنة المتساوية والتداول السلمي للسلطة واحترام النظام والقانون وحسن اسثمار وإدارة موارد البلد بعيدا عن الفساد المالي وللإداري واحترام التنوع وتعدد الهويات المختلفة التي تضمها الهوية الوطنية الجامعة -الهوية اليمنية- وفق النظام الجمهوري والتعددية السياسية والمسار الديموقراطي للوصول إلى الحكم واليمن الواحد.
هذه الذكرى عزيزة وغالية على قلوبنا جميعا، لكن الذين لا يروق لهم هذا المستوى المتقدم الذي وصل إليه أبناء اليمن وهذا الوعي الراقي الذي مثلوه في حوارهم الذي شهد له العالم وشهد له القاصي والداني وأذهل المجتمع الإقليمي والدولي، دعموا مليشيا مسلحة خارجة عن الدولة ترفض النظام والقانون وترفض الدولة العادلة وترفض المسار الديموقراطي والتعددية السياسية والتنوع وتحلم بالعودة إلى عهود الإمامة والتشطير والتمزيق والسلطنات والمشيخات والتفرق، فانقلبت على الدولة وانقلبت على كل القيم والمبادئ والأخلاق التي عرف بها أبناء اليمن بين كل الشعوب.
تحمل هذه المليشيا شعارات مزيفة يقودها أشخاص مهوسون بالسلطة مدعومون من إيران ليبنوا لهم مشروعا جديدا وحزب الله جديد في اليمن على مضيق باب المندب وخليج عدن والبحر العربي وعلى الحدود الكبيرة مع المملكة العربية السعودية بلاد الحرمين الشريفين حتى يكونوا خنجرا مسموما في خاصرة الأمة العربية والإسلامية، فانقلبوا على هذه الوثيقة التي تضمن لكل أبناء اليمن بلا استثناء حقوقهم في الوصول إلى السلطة عبر صندوق الاقتراع، عبر الأطر والوسائل الحضارية التي تسير عليها كل الشعوب الراقية.
هذه المليشيا ارادت ان تقضي على حلم اليمنيين ورفضت مشروع الدولة الاتحادية التي تضمن لليمن وحدته واستقراره وسلامة أراضيه وسيادته والتوزيع العادل للسلطة والثروة، بدعوى أن الدولة الاتحادية تمزق اليمن، بينما العكس هو الصحيح، فممارساتهم العنصرية والسلالية والمناطقية والجهوية هي التي تمزق اليمن وتفتت النسيج الاجتماعي وتصادر الحقوق والحريات وتنسف القيم والأخلاق وتدخل الشعب اليمني في حروب وصراعات لانهاية لها
لكن كل من لديه وعي وضمير حي يعلم أن الدولة الاتحادية ونظام الأقاليم المتعددة وفق وثيقة الحوار الوطني الشامل هو توزيع عادل للإدارة وللسلطة والثروة وليس توزيعا للجغرافيا ولا للوطن، بل توزيعا عادلا للسلطات واعادة بناء الجيش والأمن على أسس وطنية بمشاركة كل أبناء اليمن وتطبيق مبادئ وأسس الحكم الرشيد، وحل عادل للقضية الجنوبية وقضية صعدة، وارساء دعائم النهوض الحضاري والتنمية المستدامة، كل هذه المواضيع نوقشت باستفاضة في محموعات عمل الحوار الوطني بمشاركة من معضم أبناء اليمن ممثلة بالأحزاب والقوى السياسية والوطنية ومنظمات المجتمع المدني والمرأة والشباب وحاضر فيها خبراء من معظم دول العالم المتطورة التي تؤمن بالتغيير والعدالة والمستقبل الأفضل وإنهاء معناة الشعب اليمني طيلة السنوات الماضية
لقد وصل اليمنيون بهذه الوثيقة إلى صيغة تضمن للجميع حقهم بهوياتهم المختلفة، التهامية، والسقطرية، والحضرمية، والشبوانية، والسبأئية، والعدنية والصنعانية، والتعزية، وكل هذه الهويات لا تلغى ولكنها تندرج تحت الهوية الجامعة الهوية اليمنية والدولة الاتحادية التي تجمع أبناء اليمن بكل أطيافهم وتنوعهم، وثقافاتهم وانتماءاتهم وكلهم شركاء في بناء الدولة واختيار الحاكم وحماية المكتسبات الوطنية
لا شك أن كل أبناء المحافظات اليمنية المحرومة وبالذات أبناء المحافظات الشرقية حضرموت والمهرة وشبوة وسقطرى، والمحافظات الغربية الحديدة وريمة وحجة، والمحافظات الوسطى وكل المحافظات التي عانت من سلطة المركز وتسلط وظلم الأنظمة السابقة وصلوا إلى قناعة أن هذا النوع من الأنظمة يؤسس للاستبداد والتسلط فاختاروا النظام الاتحادي الذي يؤسس للعدالة والشراكة ويوزع السلطة والثروة ويتشارك كل أبناء اليمن في بناء دولتهم وجيشهم وقانونهم وقضاءهم وسياستهم الخارجية وعلاقاتهم الدولية، واعلامهم الوطني المتزن، وترسيخ الهوية الوطنية الجامعة كل هذه الأسس تتجسد في وثيقة الحوار الوطني الشامل ووثيقة الضمانات لاستكمال الانتقال السلمي للسلطة والوصول إلى الاستحقاقات التي يختار فيها اليمنيون من يحكمهم ومن يمثلهم على مستوى الدولة والأقاليم.
أتمنى لكل أبناء اليمن التوفيق والسداد وأنا أرى الأبطال الميامين في الجبهات يسطرون أروع البطولات ويقدمون التضحيات ويستعيدون الدولة من بين أنياب ومخالب المليشيا الانقلابية المتمردة ويسطرون ملامح مخرجات الحوار الوطني واليمن الاتحادي الجديد على صفحات من نور ويثبتونها بالدم الغالي وهم يتطلعون للدولة التي يحلم بها كل اليمنيين دولة النظام والقانون والعدالة والتنمية والعزة والكرامة فأتمنى من الله العلي القدير أن يحقق لهم النصر وأن ندخل صنعاء بكل ألوان الطيف اليمني يشد بعضنا بعضا ونتجاوز كل صراعات الماضي وكل الآلام والجراح ونحررها من هذه المليشيا وننتقل جميعا لبناء اليمن الاتحادي من ستة أقاليم بجهود كل أبناء اليمن الشرفاء المخلصين بعيدا عن كل الانتماءات الضيقة يجمعنا حزبنا الكبير اليمن